الأدوار الجديدة للمدرس من منظور المقاربة بالكفايات

بواسطة : Unknown بتاريخ : الأربعاء, أكتوبر 22, 2014
تسعى مناهج الإصلاح إلى ترسيخ كفايات حقيقية لدى المتعلمين وهذا يستدعي بالضرورة إثارة نقاش واسع ومستمر بين مختلف الفاعلين والمتدخلين حول ا لإجراءات العملية المصاحبة للإصلاح على مستوى التنفيذ من حيث العدة البيداغوجية وطرائق البناء والتقويم والمتابعة داخل الفصول الدراسية لتحسين المردودية وتحقيق الجودة في المدرسة المغربية


    لقد  دخلت مهنة التدريس مع تطبيق المقاربة بالكفايات  طورا جديدا أقل ما يصطلح عليه هو عصر المهنية أو إرادة تمهين وظيفة التدريس، والملاحظ أنٌها"مهنة لها علاقة بمهن الإنساني، لأنها تواجه وضعيات اجتماعية معقدة ترتبط بالمؤسساتي والشخصي.

فالمدرس يعتبر قطب المدرسة وعامل جذب أو نفور للمتعلمين وللاضطلاع بمهمته على أحسن وجه، عليه من جهة إدراك تحديات مدرسة اليوم والغايات التي تصبو إليها ومن جهة أخرى  إتقان الكثير من الكفايات المهنية الصفية واللاصفية.

   إذ ينبغي على المعلم إدراك الرهانات الكثيرة التي توجد المدرسة تحت رحمتها فالاقتصادي الذي يطالب المدرسة بتقديم تعليم نافع وبراغماتي، والسياسي الذي يدعو إلى تعميم التعليم الأساسي وتمهينه، والبيداغوجي الذي ينادي بتغيير الممارسات التقليدية للمدرسة على مستوى علاقة المدرس بمتعلميه وبالمحتويات المعرفية وبالعدة الديداكتكية التي سيعتمدها وبالتقويم وإجراءاته وبالدعم     ومعالجة الثغرات، دون إهمال الرهان التكنولوجي وظهور شبكات الاتصال وتنوعها التي أصبحت تشكل مصادر أخرى تنافس المدرس الذي كان حتى وقت قريب المصدر الأساسي و الوحيد للمعرفة.

     إنٌ ترسيخ الكفاءات المستهدفة-في مناهج الإصلاح-خلال مرحلة التمدرس القاعدي، يفترض تغييرا جوهريا لعلاقة المعلم بالمعرفة، ولطرائق انجازه لمهامه ولكفاءاته المهنية الخاصة، فحسب فيليب ميريو، صار الهدف المرصود من مدرسة اليوم هو إقرار مهنة جديدة، رهانها الأول هو تعليم التلاميذ وليس تدريسهم، فالتعليم بواسطة الكفايات يقوم في جانب كبير منه على مبادئ بيداغوجية عامة مثل التركيز على شخصية المتعلم وعلى البيداغوجيا التفريدية ومراعاة الفروق بين المتعلمين،وعلى الطرائق النشيطة  وعلى جعل التدريس دالا بالنسبة لهم من خلال إدماجهم فيه، وتدريبهم على بيداغوجيا حل المشكلات.

     لا تقوم مهمة المدرس الجديدة على ارتجال الدروس ولكنٌها ترتكز على ضبط وتسوية سيرورة التعلٌم، وعلى بناء مشكلات مركبة ومتزايدة التعقيد، وهذا يتطلب منه تغييرا جوهريا في هويته المهنية. فمن الطبيعي أنٌ وظيفته الجديدة أصبحت تقتصر على التوجيه والتحفيز دون أن يحل محل المتعلم، وإذا كان دوره في مقاربة المحتويات هو تقمص دور صاحب المعرفة، فإنٌ بناء الكفايات وترسيخها تقتضي منه امتلاك بعض هذه الكفاءات قبل كل شيء. "ستتحول وظيفة المدرس كليا في منظور دعاة المهنية حيث سيصبح المدرس هو المنظم والمرافق والمصاحب والمقوم والوسيط والمعدل والمنشط"2

     يعتبر التدريس بالكفايات منهاجا للتعلٌم وليس برنامجا للتعليم، تعلٌم يهدف إلى إكساب المتعلٌم كفاءات تربطه بالحياة الحاضرة والمستقبلية، تتميز هذه البيداغوجيا بالدينامية فهي تفسح المجال واسعا للممارسة التعليمية، حيث تعطي المعلم مجالا واسعا للتصرف والإبداع، كفاعل مشارك مساعد ومنشط للتعلٌمات، ولا يستقيم هذا التدريس إلاٌ مع التزام المدرس بأدواره الجديدة الآتي ذكرها:

 1/ مساعدة المتعلم على تحويل المعارف إلى موارد يحسن استغلالها بفعالية:


    إنٌ الفرد لا يتعلم إلاٌ ضمن وضعية ولا يمكن أن تكون المعارف مواردا تجند لحل المشكلة إلاٌ لحظة انبثاقها بشكل جاهز وفي الوقت المناسب، كي تنخرط  بفعالية في سياق الوضعية التي اختارها المدرس وأنتجها.إنٌ  المتعلم الذي يعجز عن استحضار الموارد بمهارة في وضعية تقتضي  تدخلا لحلٌها
لن يكون أفضل من جاهل، فدور المدرس في هذه الحالة لا يقتصر على إنتاج وضعيات جيٌدة بل على التدريب المستمر للمتعلم  على استثمار موارده في حل وضعيات متكافئة لوضعيات التعلم والإدماج.
  الانتقال من منطق التدريس إلى منطق التدريب:تحولت مهنة المدرس من بيداغوجيا التلقين    والحشو إلى بيداغوجيات نشيطة تقوم على هندسة الوضعيات التعلمية وتنشيطها، وهذا يتطلب طاقة كبيرة وتكوين ديداكتيكي عميق وبحث متواصل ليتمكن من ترجمة الأهداف المعرفية إلى أهداف تعلٌمية ومن توريط المتعلمين في البحث وتبرير إجاباتهم وإثارة الرغبة في التعلٌم لديهم  كذلك تسوية سيرورة التعلم، من خلال بناء مشكلات متدرجة التعقيد، كل هذا يتطلب ثورة ثقافية صغرى تغير الذهنيات الحالية.
  لا ينبغي أن يتخلى المدرس عن كل تدريس منظم خاصة إذا كان المتعلمون صغارا بل يحاول تصور انسجام بين منطقين مختلفين: منطق التدريس لتمكين المتعلمين من الحدود الدنيا من المعارف، ومنطق الفعل لحل المشكل بإتباع سيرورة تفكيرية معينة.
  تركيز المعلم على وظيفة التدريب التي لا تقوم على عرض المعارف والوضعيات وضبط وتصميم الدرس ومطالبة التلاميذ التحكم في مكوناته، والمحافظة على بنيته الهيكلية ولكن على اقتراح وإقامة روابط بين المعارف والوضعيات المناسبة لها، وتصبح المهمة الجديدة للمعلم هي التوجيه والتخطيط والتحفيز، دون أن يحل محل المتعلم.

 2/ الانطلاق في التدريس من مشكلات مطروحة:


    يؤكد الديداكتكيون أنٌ اكتساب المتعلمين للكفايات العالية يتحقق عند المواجهة المستمرة والمكثفة لمشكلات تتميز بكثرتها وتعقيدها وتنوعها وواقعيتها تسمح ببلوغ الهدف المرصود منها واتخاذ القرارات المناسبة إزاءها ومن ثم يظل التدريس المنظم حول مشكلة ضروريا.
  لا يخلو مفهوم المشكلة من الغموض إلاٌ أنٌ تدريب المعلم عليها وإعدادها لأهداف ومقاصد محددة يزيل الغموض عندما تتم محاصرة جوانب الموضوع وضبط العوائق المعرفية التي يريد أن يضع المتعلمين فيها.
  يتعين على المدرس استحضار أصناف مختلفة من الوضعيات المشكلات كمرحلة أولى ثمُ تشغيل القدرات بشكل واقعي وحي كلُما تعذر بناء وضعية مشكلة. "فالمشكلة الجديرة بالحل هي التي تنبع من اهتمام واضح بها، والتي تعطي المتعلم أكثر من حل واحد لها
  لا تعتبر الوضعية المشكلة مجرد وضعية ديداكتكية عادية، لأنها تنتظم حول عائق ينبغي التغلب عليه، ويستحسن أن يكون واضحا ومحددا، ويتميز بالمقاومة الكافية، التي تحفز المتعلم على استثمار مكتسباته السابقة وتصوراته بكيفية تقود إلى مساءلتها وإعادة النظر فيها وإلى وضعه في سلسلة من القرارات التي ينبغي أن يتخذها لبلوغ الهدف.
  يعد العائق المحور الرئيسي للعمل البيداغوجي، ولأهميته يطلق عليه الباحثون "الهدف العائق"، "فمهمة المدرس تتمثل في إيقاظ الرغبة للتعلم من خلال تلغيز المعرفة، من خلال تصور وضعيات صعبة قابلة للحل"4وحتى يساعد المتعلمين على التعرف عليه وكشف جوانب صعوبته، يُضٌِمن المدرس المشكلة بعض المؤشرات المساعدة على تلمس سيرورة الحل، تفاديا لأحاسيس الإحباط والعجز وقضاء وقت طويل في محاولاتهم التلقائية.

  لا يخلو العمل بالوضعيات المشكلات من الإيجابيات لكن بلوغها يقتضي تغييرا في هوية وكفايات المدرسين ومن ذلك:
      2/1:إنٌ إبداع وضعيات ديداكتكية يقتضي نقلا ديداكتكيا مركبا، يأخذ من الممارسات الاجتماعية من جهة، ومن المعارف العالمة من جهة أخرى الأمر الذي يستوجب من المدرس تكوينا بيداغوجيا متخصصا، حتى يتمكن من التمثل السليم للكيفيات التي يواجه بها المتعلمون المشكلات التي تصادفهم في حياتهم الواقعية، كما أنٌ امتلاك المعلم للقدرة على التطوير والتغيير تجعل الوضعيات التي بناها محفزة ومشجعة على العمل والبحث المستمرين.
      2/2 تحقيق الأهداف المرصودة من الوضعية المشكلة يتطلب من المدرس إلماما بمحتويات المنهاج من حيث الكفايات المستهدفة بالبناء عند المتعلم، والتماشي الديداكتيكي المناسب لبناء ودمج التعلمات والطريقة التي يعمل بها، والتحكم بمحتوى المادة التي يقدمها والأسئلة التي يطرحها المضمون وعلاقة الأنشطة ببعضها البعض لبناء علاقات بين محتوياتها تحقيقا لإدماجها.
      2/3يستدعي بناء العائق في وضعية مشكلة من المدرس قدرة كبيرة لتحليل الوضعية والمهام والسيرورات الذهنية للمتعلمين، وقدرة على التجرد من ذاتيته، ونسيان خبراته الخاصة حتى لا يؤثر على حل المتعلمين أو أن يأخذ مكان المتعلم لفهم ما يعوقه، كما تستلزم قدرات تسييرية للفصل الدراسي والصعوبات التي تعترض العمل الجماعي أو الفردي منها ما هو ابستمولوجي، أو بيداغوجي كصعوبة ضبط الوقت الذي سيستغرقه حل المشكلة أو نفسي يرتبط بقوة أو ضعف دافعية المتعلمين لتجاوز العائق وحل المشكلة.

3/  ابتكار عدة ديداكتكية جديدة:


    يحتاج المدرس لابتكار وضعيات مستقلة مفيدة وملائمة، تراعي الكفاءات المستهدفة بالبناء والمعارف المجندة لذلك وسن المتعلمين والحصص المتوفرة عليها، فكراسات التمارين المحضرة لم تعد تفي بالغرض في إطار التدريس بالكفايات.
   يصعب على المدرس في حالات كثيرة ابتكار عدة وضعيات لتغطي أنشطة يوم واحد خاصة إذا كانت توكل إليه مهمة تنشيط خمس أنشطة في اليوم كما هو الحال بالنسبة لمعلم السنة الخامسة ابتدائي، ولذلك يتعين على المصالح البيداغوجية والديداكتكية، أن تزوده بأفكار ومقترحات حول الوضعيات الممكنة، وبتوجيهات منهجية، ومن الضروري أن تتجاوز الشكل التجاري وأن تكون من   متخصصين في المقاربة بالكفايات لا من المتطفلين عليها، خاصة إذا علمنا أنٌ الجهد الديداكتيكي للمعلم له محدوديته أمام الفئات المتباينة المستوى من المتعلمين.

     ولتجاوز مشكلة نمطية الوضعيات والوصفات التدريسية  الجاهزة ينبغي على المعلم أن:
    * يستقل عن سوق الوسائل التعليمية الجاهزة، وعلى تحريرها من توجهاتها الرسمية إن احتاج أن يتبناها.
    * أن ينتج وضعيات مشكلات حسب الكفاءة المرصودة انطلاقا من المعطيات المتوفرة لديه وأن       يحدد الأدوار والوظائف ويوزع المقاطع على الحصة وأن يبتكر الوسائل التعليمية الملائمة خاصة وأنٌ البرامج المعلوماتية متوفرة وسهلة لأداء المعلم.

4/ التفاوض حول مشاريع المتعلمين وتوجيههم لحل الوضعية الإدماجية: 


    إنٌ العمل بمقاربة الكفايات يتنافى والعلاقة الأحادية التسلطية من المدرس حيث لا يمكن تصور أنٌ المدرس وحده هو الذي يحدد سيرورة حل الوضعية المشكلة، مهمته الجديدة أضحت التحفيز وتقديم مقترحات من خلال التفاوض حولها، فتصبح دالة تستقطب اهتمام المتعلمين، ويعتبر التفاوض صيغة دالة عن احترام آرائهم ووسيلة لإشراكهم في العمل بعد إعداد الوضعيات المناسبة.

      4/1 اقتسام السلطة مع المتعلمين وإرساء قواعد الديمقراطية وممارسة ذلك عن قناعة،وإشراكهم في المسئولية.
      4/2 معرفة كافية بخصائص وشروط العمل التعاوني وبدينامية الجماعات الصغيرةوباستيراتيجية المشروع.
      4/3 القدرة على التواصل والتفاعل وتنشيط المناقشات، وتحليل المهام وتوزيع الأدوار، يؤكد فيليب برينو إلى أنٌ"دور المتعلم في بيداغوجيا الوضعيات المشكلات يكمن في الإشراك والمساهمة في مجهود جماعي لإنجاز مشروع وبناء كفاءات جديدة وله الحق في المحاولة والخطأ وهو مدعو للإفصاح عن شكوكه، وإظهار استدلالاته، والوعي بطرائقه في الفهم والحفظ والتواصل.

 5/ اعتماد تصميم ديداكتيكي مرن عند التخطيط:


    يرتكز التدريس بواسطة الكفايات على العمل بوضعيات ثرية وقوية وهادفة، تتمحور حول معارف مهمة وتنتج عنها تعلٌمات مرصودة، وحتى يتمكن من حسن اختيار المحتويات الضرورية لحل الوضعية على المدرس أن يتميز بما يلي:
  * التحلي بالمرونة والهدوء وضبط النفس عند التخطيط.
  * القدرة على بناء الكفاءات المستعرضة كلٌما أمكن ذلك وعلى خلق التفاعل بين الأنشطة تحقيقاللتدرج المتنامي في المنهاج التعليمي.
  * الوعي الكافي بأهداف المنهاج وبالكفايات السنوية والعمل على اختيار الوضعيات المشكلات  المناسبة مع مراعاة المحتويات الهامة التي تحتاج إلى مجهودات أكبر.
 * القدرة على قراءة المضامين قراءة نقدية واستخلاص المهم منها بالرجوع دائما إلى المصادر المنقول منها والتي تكشف عن كفاءة المدرس في اختيار المعارف حسب الخلفية التي تصدر منها والقدرة على فهم الواقع والبعد الإبستمولوجي للمعرفة.

6/اعتماد عقد بيداغوجي جديد مع المتعلم:


   يختلف دور المتعلم في بيداغوجيا الوضعيات عن دوره السابق إذ يقطع صلته بالفردية وروح التنافس ليتحول إلى الانخراط في روح العمل الجماعي والمشاركة في تحقيق المشروع، والعمل على بناء كفاءات جديدة، عقد يتمتع خلاله بالمحاولة والخطأ، وإظهار شكوكه، وتصوراته وطرائق الحل الخاصة، والبرهنة على الكيفيات التي توصل بها للحل والفهم، فهو متعاون وممارس ومفكر في مجموعة الصف. "فالمواقف المشكلية الحقيقية ذات المعنى تدفع التلاميذ للقيام بالاستقصاء والاكتشاف من خلال العمل مع بعضهم البعض مماٌ يزيد من دافعيتهم لأداء المهام ويزيد من فرص المشاركة والحديث لنمو التفكير والمهارات".

  إنٌ هذا التغيير في العلاقة الديداكتكية يتطلب مجهودا خاصا من المعلم وقطيعة مع الثقافة المهنية الفردية، ولبناء هوية مهنية جديدة تستجيب في توجهاتها لبيداغوجيا الوضعيات المشكلات، يحتاج المعلم حسب محمد حمود للكفاءات المهنية الآتية:
  * القدرة على التوجيه وتشجيع المحاولات التجريبية للمتعلمين.
  * قبول أخطاء المتعلمين باعتبارها مؤشرا جوهريا للضبط والتقدم، شريطة العمل على فهم وتحليل تلك الأخطاء."تساهم الأخطاء وبطريقتها الخاصة في تطور واكتساب المعرفة، وتمثل نقطة انطلاق ومعبرا ضروريا لقيام معرفة علمية بالمعنى الصحيح. ولهذا لا ينبغي الاعتراف بحق المتعلم في الخطأ فحسب بل ينبغي العمل بكل جدية لاكتشاف مصدر الخطأ.
 * تثمين وتعزيز التعاون مع المتعلمين عند أدائهم لمهام صعبة ومعقدة
 * القدرة على توضيح مكونات ومواصفات العقد الديداكتيكي، وعلى الانتباه للمقاومات التي يبديها المتعلمين، بهدف أخذها بعين الاعتبار.
 * القدرة على الانخراط الشخصي في العمل، وعلى تجاوز وضعية الحكم أو المقوم.

7/اعتماد التقويم التكويني عند تقويم الكفاءات:


   يقوم التقويم التكويني على التغذية الراجعة ومصدرها المتعلم والمدرس والواقع الذي يمكن أن ينفي أو يؤكد التوقعات التي حددها المدرس في وضعية الانطلاق.تعتبرالتقويم التكويني عنصرا أساسيا في التكوين الذاتي للمتعلم، يساعده على تصحيح مساره التكويني ويمده بالثقة في نفسه من أجل تحقيق هدف التعلم"تتطلب ممارسة المدرس تغيير تصوراته على مستوى وضعية التعلم والأهداف وإيقاعات التعلم وأنشطة التكوين والتفريد ومشاركة التلاميذ والتقويم والضبط، وأشكال المراقبة وتفسير نتائجها وضبط الأهداف ونجاح الدرس.
   ينطلق المدرس من وضعية مشكلة تضم هدفا (عائقا)يكون عاما في البداية ثمٌ تفريديا خاصا بكل متعلم لأنٌه لا تعترضهم نفس العوائق، ولا يواجهون نفس المهام، ولا يمكن أن يتم التقويم إلاٌ من خلال ملاحظة المعلم لأداء المتعلم وانجازه بشكل فردي.
  يعتمد المدرس في ممارسته اليومية على التقويم التكويني  الذي يجعله يعدل عن وظيفته التأديبية للتقويم ممٌا يكسب المتعلم ثقة أكبر وقبول الإنجازات الجماعية يذيب روح الفردانية والتنافس والغرور.
  يتخلى المدرس عن توحيد التقويم النمطي لتباين مستوى التحكم في الكفايات بين المتعلمين واختلاف سيرورات حلٌهم لوضعية المشكلة التي اقترحها عليهم ممٌا لا يسمح بوضع سلم تنقيط واحد وإنٌما يركز خلال التقويم على الخبرة في الحكم من جهة وعلى اعتماد معايير مستقلة عن بعضها البعض.

8/كسر الحواجز المصطنعة بين المواد والتخصصات:


    إنٌ الهدف الحقيقي للمدرسة هو تكوين المتعلم تكوينا متكاملا وهذا يتطلب رؤية ابستمولوجية دقيقة لمختلف المواد التي يدرسها، تتجاوز النظرة الضيقة للمواد بفصل الواحدة عن الأخرى، فمسعى التدريس بالكفايات يركز على انفتاحها على بعضها لإدراك عمقها التكويني والقواسم المشتركة المساعدة على فهم العالم المحيط بالمتعلم.

  لتجاوز مشكلة الفصل بين المواد يشترط من المتعلم:
  * ضرورة إحساس المعلم بمسئوليته عن التكوين الشامل لكل متعلم.
  * السعي للاستفادة من زملائه ذوي الخبرة، كلما سمحت الفرصة العلمية بإثارة الحديث حول قضايا منهجية أو ابستمولوجية ذات علاقة بالكتابة والمعرفة والبحث.
  *  ضرورة إدراك وتقدير حجم التداخل الموجود بين المواد الدراسية وبين الأنشطة الديداكتكية لتخصصات مختلفة.
   * استحضار محتوى أكثر من مادة عند انجاز المشروع.

9/اطلاع المتعلمين على المبادئ والمواصفات التي يتطلبها منهم مسعى الإصلاح:


   يتطلب العمل في منظور التدريس بالكفايات تحليل التغيرات التي تطرأ على وضعيةوأدوار المتعلم كونه شريكا أساسيا في العملية التعلٌمية التعليمية، حيث ثبت أنُه كلُما كان المتعلم مطلعا على معنى العمل والمعارف المدرسية يأخذ موقفا ايجابيا إزاء مدرسه وينخرط بتلقائية لتفعيل العقد الديداكتيكي المقترح عليه حيث ينشط ويبدع ويتعاون مع معلمه ليبتكر وضعيات مشكلات ملائمة يندمج معها.

10/التوجيه:


"يرتبط بأهم أدوار المدرس حينما يوجه أنظار المتعلمين إلى أخطائهم ونواحي قوتهم وضعفهم وتعريفهم بأفضل أساليب الأداء"', يتيح التوجيه للمتعلم المشاركة والانخراط في بناء المعرفة وإنتاجها وذلك بتفاعله الدائم والمستمر مع أشكالها وأنواعها بما يتطلبه ذلك من ربط لموضوعات التعلم باهتماماته ومتطلباته وحاجياته ليكون تعلمه أكثر دلالة.

     "تتطلب البيداغوجيا الموجهة من المتعلم يقظة كبيرة من المدرس تجعله يقوم بوظيفة المنشط المشارك المتواصل المثير للغز المراقب دون أن يشعر متعلموه بذلك، حيث يجعلهم في وضعية  بحث واكتشاف يتجهون فيها لطرح الأسئلة طرحا جيٌدا قبل الإجابة عنها، خاصة وأنٌ فن التفكير هو فن الطرح الجيٌد للأسئلة.

11/ التحفيز:


  تؤكد معظم الأبحاث أنٌ التحفيز عامل من العوامل الأساسية لتحقيق تعلٌم فعٌال، باعتباره يؤدي إلى تعزيز التعلٌم وإلى تقدم ملموس في بناء الكفايات، ويفسح المجال واسعا لتنشيطوإثارة الدافعية للتعلٌم والإنجاز.

  يمكن للمعلم أن يلجأ لإستراتيجيات عملية تمكنه من تحفيز التعلٌم نذكر منها:
 * التعرف على خصائص المتعلمين وأنواع حوافزهم والحوافز الملائمة لهم.
 * الاستجابة البنٌاءة لميولهم وحاجاتهم لهذه المرحلة العمرية لإثبات ذواتهم وتحقيقها.

 كما يمكنه استخدام تقنيات لتنشيط الحوافز منها:
 * ربط الدرس بالتجربة اليومية للمتعلٌم.
 * ملاءمة المحتوى لمستوى النمو الذهني والوجداني للمتعلٌم.
 * توضيح الفائدة من تعلم محتوى معين.

12/ الاعتراف بالأدوار البنائية الجديدة للمتعلم والعمل على تشجيعه عليها:


من بين الأدوار التي تساعد المتعلم على الانخراط والانسجام مع متطلبات الإصلاح:

      12/ 1المسئولية:"يتقمص المتعلم دور العالم الصغير المكتشف لما تعلمه من خلال ممارسته للتفكير العلمي، فهو باحث عن معنى لخبرته مع مهام التعلٌم، بالإضافة إلى أنٌه بان لمعرفته ومشارك في مسئولية إدارة التعلٌم والتقويم".11

      تغيرت وظيفته من المستمع والمستجيب لأسئلة المدرس، وتحولت إلى الانخراط والمشاركة في العمل الجماعي خلال انجاز المشروع وبناء الكفاءات المرصودة من الوحدة، فمهمته أن يبادر، أن يغامر، أن يسأل، أن يخطئ، أن يحاجج حول دلالة ما يقوم به حتى يشعر بمسئوليته في بنائه، وبلذة اكتشافاته، ممٌا يكسبه ثقة في قدراته على ترجمة مؤهلاته في انجازات مسئولة من خلال أنشطة حقيقية تساعده في تنمية المهارات المناسبة لحل المشكلات سعيا لتحقيق الأهداف التعلٌمية.

    "إنٌ العقد البيداغوجي الذي يجمع بين المدرس ومتعلميه يفترضان أن يمتلك المدرس القدرات الآتية:
* القدرة على تشجيع وقيادة المحاولات التجريبية.
* القدرة على إبراز وإحكام العقد الديداكتيكي، والقدرة على الإنصات على مقاومات التلاميذومراعاتها.
* القدرة على الانخراط الشخصي في العمل دون الاكتفاء بدور الحكم أو المقوم، دون أن يكون ندا لهم".

13/ التعاون:


يستدعي العمل بالوضعية المشكلة أو بالمشروع استحضار كافة الكفايات التي يمتلكها المتعلمون، والعمل التعاوني الجماعي لحل المشكلة يتم من خلال توزيع الأدوار والتنسيق بين أفراد الجماعة، وهذا الإجراء يسمح بتخلص بعض المتعلمين من السلبية والخجل لتعوض بالحماس والمثابرة وروح الاجتهاد، "فالتعلٌم ألتشاركي هو شكل تفاعلي لتنظيم العمل داخل الفصل. يتعلم بواسطته التلاميذ من بعضهم البعض...تستدعي السمة الإدماجية للتعلمات في بيداغوجيا الإدماج منهجية مزدوجة لبناء المعرفة، منهجية فردية وأخرى جماعية يبني المتعلم معرفته بشكل خاص من خلال تفاعلاته داخل المجموعة."12

  التحرر من تبعية المدرس: يشجع العمل وفق مقاربة الكفاءات المتعلم على الكشف عن سيرورات حل المشكلة وطرق التفكير وكيفيات التصرف حيث يظهر خلالها المتعلم أكثر تحررا وثقة فالهدف هو تقدم العمل الجماعي القائم على معيار توزيع الأدوار وليس على المنافسة والفردية."فاقتراح عمل على المجموعة يعني التقاء شخصيات مختلفة تتجاهل أحيانا، تحتقر وأحيانا يكره بعضها البعض الآخر، فالهدف هو خلق مناخ وظيفي، مريح يشارك التلاميذ فيه بوجاهة ويستمعون بشغف، يجاوبون دون عدوانية، ويقومون  بأنفسهم أسباب الفعالية والنجاح، فقد تجاوزوا فرديتهم لمنفعة مشتركة"13

  أمٌا المدرس فينبغي أن يتفهم متعلميه حتى يتمكن من توفير الظروف المناسبة وقد ترتكز هذه الأنشطة على مشكلة يسمح لهم من خلالها بالتعبير عن آرائهم ومقترحاتهم بكل شفافية وحرية، ويحترم خصوصيات كل متعلم وكيفية التعامل مع الموضوع، وأصبح مطالبا بالتواصل معه ليعرف منه الإستراتيجية التي اختارها للحل مع تبريرها والتمشي الذهني الذي تبناه وأضحى الاهتمام بتتبع مسار تكوين المتعلم هو الأهٌم، من أجل احترام إيقاعات المتعلم المختلفة التي يتميز بها عن أقرانه.

  نخلص من كل ما سبق إلى القول بأنٌ نجاح النموذج المتبنى في الإصلاح مرهون إلى أقصى حد بتكوين مدرسين أكفاء "فالكفء هو القادر على التصرف والنجاح بكفاءة في وضعية عمل(نشاط ينجزه، موقف يواجهه، مشكل يحله، مشروع ينفذه)أي وضع ممارسة مهنية وجيهة بتجنيد توليفي للموارد من معارف، اداءات، سلوكات"، 14فأولى على المسئولين التركيز على التكوين المستمر، لأنٌ الكفايات المهنية من أهم متطلبات الممارسة التعليمية لدى المعلمين القائمين على التدريس "فالمهنية هي مدخل للقدرة على حل المشكلات المعقدة والمتنوعة دون إتباع إجراءات مفصلة يصنعها الغير. إنٌها المسؤولية   والاستقلالية.
يرى المتخصصون في الديداكتيك أنٌ امتلاك هؤلاء للمهارات والمعارف والقيم أمر أساسي، يستوجب أن تسهر برامج التكوين على ضمانها وترسيخها لدى المدرسين من أجل تأهيلهم للقيام بدورهم بفعالية، فقد أثبتت معظم الدراسات والبحوث التي تناولت جودة التدريس أو التي تطرقت إلى المدرس الكفء أنٌ أهمية اكتساب الكفايات المهنية أمر لا يجادل فيه وما زكٌى هذه الأهمية وجود فروق بين المدرسين تعزى لعامل المؤهل العلمي".فالمهني هو من يعرف كيف يشغل كفاءاته في جميع الوضعيات، إنُه:

 رجل الوضعية القادر على التفكير وهو يشتغل وعلى التكيف والهيمنة على كل وضعية جديدة.

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوضة لذى | |