التربية على الاختيار

بواسطة : Unknown بتاريخ : السبت, أغسطس 16, 2014
بشكل بديهي يمكن أن نعرف الاختيار بأنه تفضيل شيءٍ على آخر أو موقفٍ على آخر أو شخصٍ على آخر. ولكن إذا تعمقنا أكثر يمكن القول أن الاختيار هو اتخاذ قرار أو موقف يلتزم به الإنسان.

 يعني لفظ "اختيار" تمييز عنصر عن عنصر آخر، أو عن عناصر أخرى، و تفضيله عنها. و مقابل ذلك يتم إبعاد ما لم يتم تفضيله. إذ يصبح فعل الاختيار فعلين: فعل إثبات، وفعل نفي... فالاختيار إثبات للعنصر الذي يفضله المرء تمييزا له عن غيره. و هو نفي للعناصر الأخرى، التي لم يفضلها المرء، و التي هي دون مستوى العنصر الذي ميزه وفضله.

 عبرالخبير النفسي دانييل مارسيللي- في حواره على موقع سيكولوجيا-قائلا: إن الاختيار ليس فعلا من أجل ذاته إنه بالأساس معرفة واعية بمختلف الإمكانات المحتملة والممكنة من جهة ووعي بالذات ورغباتها وتفضيلاتها من جهة ثانية .

شروط أو أسس الاختيار


1. الحرية .
لا يستطيع أن يختار إلا الإنسان الحر, والحرية هبة أو قدرة ينميها الإنسان ويتمرن عليها. والحرية ليست إمكانية أن يفعل الإنسان ما يريد بل إمكانية اختيار ما يحقق له إنسانيته. فالإنسان لا يصبح إنساناً ولا يصل إلى ملء قامته إلا إذا عاش حريته في الاختيار.
2. الوعي .
أي استعمال العقل والموازنة في الاختيار مثلاً عندما أريد شراء شيءٍ ما كيف أختار ما أشتري؟ هل أسأل ما هي الموضة؟ ما هو أغلى؟ ما يوافق ذوق الآخرين؟ أم اختار ما يناسبني من حيث القدرة والعمر....
3. القيم .
 في حياة كل إنسان يوجد قيم روحية وإنسانية واجتماعية . 
من هذه القيم: قيم العقيدة الاسلامية وقيم الهوية والثقافة الحضارية وقيم حقوق الانسان والقيم الكونية ......

مراحل الاختيار


1. دراسة الواقع. ما هي المعطيات؟ الإيجابيات والسلبيات؟ ما هو الهدف أو الغاية؟ ماذا أريد؟
2. اتخاذ القرار بعد الدراسة والموازنة.
3. تنفيذ القرار أي الالتزام بما قررت واخترت.
4. مناقشة النتائج.

كيف نربي الطفل على الاختيار السليم؟


- أولاً: بالمثل:
أي اختيار الأهل السليم ومناقشة نتائج هذا الاختيار مثلاً إقامة حفلة ما, الخروج بنزهة, أو شراء قطعة ما للمنزل.
- ثانياً: بالإشراك:
أي إشراك الأولاد في الاختيارات التي تُهم الأسرة بكاملها. كيف سنحتفل هذه السنة بعيد الفطرمثلاً؟ اين سنقضي عطلتنا ؟
- ثالثاً: بالتمرين:
أي تمرين الطفل على الاختيار انطلاقاً من أسسه السليمة مثلاً: اختيار ساعة النوم, أسبابها فوائدها, الألعاب, اللباس, ....
- رابعاً: التربية على الحرية الصحيحة:
أي على التخلي عن أنانيته ومحوريته والانفتاح على الله والآخر. أن أزرع في نفسه القيم الروحية والإنسانية لا بالكلام فقط بل بالمثل أيضاً فأعيش معه الانفتاح والمشاركة والمحبة والعطاء والعدالة والصلاة .... علينا أن نخلق لأطفالنا جواً سليماً يساعدهم على الاختيار السليم.

 التربية على الاختيار


لقد ورد تأكيد ملحوظ ضمني و صريح، في الميثاق الوطني للتربية و التكوين، و في الكتاب الأبيض الصادر عن وزارة التربية الوطنية، على تكوين القدرات و المهارات المختلفة التي تؤهل المتعلم لامتلاك كفاية "الاختيار"... و يكفي التذكير باعتبار "التربية على الاختيار" أحد المداخل البيداغوجية لمرجعية مناهج التربية و التكوين، إلى جانب "التربية على القيم، و تنمية و تطوير الكفايات التربوية".
إن التربية على الاختيار توجه المتعلم إلى استثمار مقارنته في تمييز أحد العناصر، كي يكون هو موضوع الاختيار،
فالتربية على الاختيار هي تربية تستهدف تمرن المتعلم على ممارسة مجموعة من العمليات، و التي يتداخل فيها ما هو عقلي- منهجي، و ما هو سلوكي- مواقفي.
يتجسد ما هو عقلي-منهجي في كون التربية على الاختيار تتأسس على اكتساب المتعلم القدرة على المقارنة وبين عنصرين، أو مجموعة من المعطيات كما يتدخل المستوى العقلي-المنهجي، في سيرورة التربية على الاختيار، حينما يكتسب المتعلم قدرات تفسير اختياره و البرهنة عليه.
و يتجسد المستوى السلوكي- المواقفي، الذي يرتبط بفعل الاختيار و التربية عليه، في النتيجة التي سينتهي إليها المتعلم بعد المقارنة و التمييز و البرهنة، و يتعلق الأمر بالسلوك الذي سيختاره و يتبناه، و بالموقف الذي سيميزه عن غيره، و يبرهن عليه كموقف يراه إيجابيا، و يتخذه موقفا لنفسه

أهم مرتكزات"التربية على الاختيار


تتكامل التربية على الاختيار مع مجموعة من المكونات الجوهرية، في التصور التربوي الموجه لمراجعة المناهج و البرامج، في منظومتنا التربوية الجديدة...ففي التربية على الاختيار تكمن مبادئ "التعلم الذاتي"، و تعلم الكيف بدل الكم، و بفعل التربية على الاختيار يتم ترسيخ كفايات "حرية الرأي و التعبير"، و"استقلالية الفكر". 
كما تنسجم التربية على الاختيار عضويا مع التوجه التربوي الهادف إلى تنمية الذات و الأنا، وإلى تكوين الشخصية المواطنة، الواعية بالمسؤولية، و بالحق و الواجب، و القادرة على الإسهام في بناء المحيط الاجتماعي و الثقافي و السياسي بفعالية إيجابية، و على المشاركة في ما يهم الشأن المحلي و الوطني، بدءا من قضايا تهم الوسط المدرسي، إلى قضايا تهم الوسط العائلي، إلى قضايا تهم المجتمع عامة.
اذن نستخلص مرتكزات التربية على الاختيار في ما يلي :
مبدأ التعلم الذاتي
 مبدأ تعلم الكيف بدل الكم
مبدأ حرية الرأي و التعبير
مبدأ استقلالية الفكر

أجرأة مدخل التربية على الاختيار


  يمكن أجرأة هذا المدخل، أي التربية على الاختيار، ديداكتيكيا، في وضعية دروس و أنشطة، تعليمية و تعلمية من خلال معالجتنا لما يلي :

.1 التربية على الاختيار من العادة إلى الفعل الواعي
تشير الدراسات الحديثة إلى أن الطفل قادر في مختلف مراحله العمرية على الاختيار فهو من سن الثانية قادر على تفضيل طعام عن آخر، وما بين الخامسة والسادسة من عمره قادر على تفضيل لون أو لباس دون آخر، و يكتسب قدرة المفاضلة بين الأنشطة ذات الطابع الاجتماعي ابتداء من السنة الثامنة . 
إلا أن الطفل بطبيعته المحافظة نوعا ما يميل إلى اختيار ما اعتاد عليه ، فالطفل الذي اعتاد على ايقاع تعلمات محددة مسبقا لا يملك سوى أن يختار التعلمات التي تعود عليها، إنه بمعنى آخر لا يملك آفاقا أخرى غير ما تعود عليه. إنه يأتي للمدرسة عن عادة لا عن خيار، ويجيب طبقا لما تعلمه لا لما يعرفه. 
إن هذا الواقع يحيلنا إلى ضرورة نقل الطفل من اختيار ما اعتاد عليه إلى اختيار ما يريده كذات مستقلة واعية باختياراتها وهو ما يعني نقل الطفل من الاختيار بالعادة إلى الاختيار الواعي والمسؤول.

2. التنوع كدعامة للاختيار الواعي :
إن الاختيار الواعي كسلوك يستلزم بالضرورة وجود خيارات متعددة ومتنوعة، ومن هذا المنطلق فإن التربية على الاختيار كخيار بيداغوجي تستلزم بالضرورة نهج التنوع كمقاربة ديداكتيكية على عدة مستويات:
       
     أ- على مستوى المناولة الديدادكتيكية:
بحيث يتيح تنوع الطرائق ومصادر المعلومات للطفل فرصة تفضيله لطريقة دون أخرى أو مصدر معلومة دون آخر، وكي لا نبقى في إطار التعميم أضرب أمثلة لذلك:
+ يمكن تقديم درس القراءة من خلال أسندة متنوعة ومختلفة: قراءة نص وظيفي، قراءة قصة، قراءة رسوم مصورة.
+ يمكن تقديم درس من دروس التاريخ من خلال شريط سمعي بصري، من خلال حكاية، من خلال قصاصات جرائد.
     
     ب- على مستوى تدبير فضاء القسم:
بتنويع الأركان التربوية و إتاحة الفرصة للمتعلمين للاستئناس بها إجمالا ، ثم ترك حرية الاختيار لهم للمشاركة فيها في مرحلة لا حقة.
   
      ج- على مستوى فضاءات التعلم:
إن الشائع هو الاقتصار على حجرة الدرس كفضاء للتعلم وهو ما يكرس نوعا من الاستلاب لدى المتعلم يجعله مرتبطا ارتباطا شرطيا بحجرة الدرس كمكان للتعلم، ويجعل التعلم في ذهنه فعلا مفروضا لا خيارا واعيا وهو ما يتناقض مع مبدأ تنمية التعلم الذاتي و تكوين المتعلم القادر على التعلم وتعلم التعلم. لذلك فإن تنويع فضاءات التعلم في إطار الشراكات مع فعاليات المجتمع المدني من شأنه فتح مدارك الطفل وآفاقه وبالتالي ترسيخ وعيه بذاته وتفضيلاته.
  
       د- على مستوى الأنشطة الموازية:
إن تنويع الأنشطة الموازية من شأنه تنمية قدرات الطفل على التموقع بالنسبة للخيارات المطروحة أمامه وبالتالي قدرته على التصنيف والتمييز والمفاضلة وفقا لما يريده.

خلاصة


يمكن القول: إن التربية على الاختيار هي تأهيل المتعلم لامتلاك القدرة على التمييز، و التفسير الواعي لما يميزه عن غيره، و الارتباط به عمليا و سلوكيا، سواء كان هذا الذي يميزه و يفسر تفضيله له، فكرة، أو موقفا، أو سلوكا...
بفضل هذا المدخل البيداغوجي، إذن، أي التربية على الاختيار، سيتجاوز المتعلم كونه متلقيا سلبيان ينصت إلى الدروس، و يدون المعلومات، و يحفظها، و ينجح في الامتحانات...
بل يصبح حضوره نشيطا و إيجابيا، يتفاعل مع مختلف مكونات الوسط المدرسي، من مواد دراسية، و مدرسين، و كتعلمي،.
و يمتلك المتعلم فعل التربية على الاختيار قدرة التدخل في التواصل التفاعلي داخل الوسط المدرسي، و خارجه بعد ذلك، تدخلا مزدوجا  فهو، من جهة أولى، تدخل عاقل (معرفي) و هو من جهة ثانية ؟ تدخل عامل (سلوكي)

ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق

جميع الحقوق محفوضة لذى | |